تطرح مسألة حماية التّراث الإنساني والمادي للأمير عبد القادر نفسها في كل مرة بإصرار في السّنوات الأخيرة بعد محاولات التخريب والاعتداءات والتّشويه لطمس شخصية انتقلت من المحلية الوطنية العالمية بفضل حسّها الاستراتيجي ونظرتها للحياة القائمة على القيم الإنسانية والعيش المشترك ومراعاتها لمسألة الآخر انطلاقا من انتمائه الحضاري مع متطلبات السياسة والحرب.
ترى حفيدة والأمينة العامة لمؤسّسة الأمير عبد القادر زهور بوطالب ضيفة منبر «الشعب»، أنّ المساس برموز وشخصيات الدولة الجزائرية غير مقبول، مشيرة إلى أنّ العمل التخريبي ومحاولات التشويه للتاريخ الجزائري وصنّاعه لا تخرج عن المحاولات المقصودة لضرب الهوية والوحدة الوطنية لبعض الحاقدين بهدف زعزعة ثقة الأجيال الصاعدة في تاريخه، داعية إلى الحيطة والحذر لما لذلك من خطر على الانتماء للوطن والولاء لجهة لا تريد الخير للجزائر ولشعبها.
وتؤكّد بوطالب أنّ عالمية الأمير ما تزال تزعج الكثير من الحاقدين، مشيرة إلى أنّ استغلال منفاه في تخوين الرجل واتهامه أمر لا يتقبله عقل، لأن عالميته لم يصنعها منفاه بل شخصيته المتميزة والعبقرية، وانفتاحها على العالم من ملوك وسلاطين بالرغم من صغره سنه، وتركيبته الحضارية التي جمعت بين مطالب التدين والتصوف والسياسة والحرب هي من صنعته، ما جعل الجميع يحترمه ويريد التقرب إليه والتعامل معه، بحيث أثار اهتمام الشرق والغرب إليه.
في هذا السياق، أشارت حفيدة الأمير إلى أن الإمارة التي أصبحت تطلق عليه هي إمارة جهاد وسلاح وقيادة للجيوش لمحاربة المستعمر الفرنسيين، وليست إمارة القصور والأموال والجاه أو بالوراثة كما هو معروف عند البعض، وحتى منفاه لم يكن في قصر كما يعتقد البعض بل كان في قبو تحت القصر المعروف باسمه اليوم بسوريا، مليئا بالرطوبة والمرض ما أفقده الكثير من أفراد عائلته، ورغم ذلك لم يستسلم واختار مواصلة الجهاد بالعلم والقلم والعمل الإنساني.
وتؤكّد ضيفة «الشعب» أنّ الأمير استطاع من خلال الجهاد الأكبر، كتابة عدد من الكتب والمؤلفات واستطاع جمع الفتوحات المكية للشيخ محي الدين العربي الضائعة، وتنظيم جلسات وحلقات علم لتفسيرها، كما قام بكتابة مواقفه بمختلف الصدامات والصّراعات التي عاشها طوال مشواره الجهادي، ولعل تنظيمه العسكري الذي ما يزال يدرّس إلى اليوم بمؤسسة الجيش خير دليل على ذلك، وحكمته في إدارة شؤون البلاد بل ووصل به الأمر باعتباره مؤسس الدولة الجزائرية إلى إنشاء عاصمة
«زمالة» متنقلة ومتكيفة حسب الظروف، وهذا لا يعبّر سوى عن عبقرية الرجل.
وحسب المتحدث الأمر لم يعد يمكن السكوت عنه بل يجب التصدي له، خاصة وأن الأمر تعدى كل الحدود ووصل إلى الحرب الالكترونية على رموز الجزائرية وشخصياتها التاريخية والتشكيك فيها، مشيرة إلى أنّ الذباب الالكتروني يحاول استغلال أي شيء لضرب الشخصيات الوطنية، مستدلة بذلك في كيفية استغلال المنفى الذي يبقى عقوبة فرضت على الأمير لتفسر على أنّها استسلام وخيانة، ناهيك عن الاعتداء عن بعض المواقع التاريخية التي استقر بها الأمر كمصنع السلاح بمليانة.
وتشير بوطالب إلى أنّ هذه التجاوزات في حق التاريخ الوطني تفرض إعادة النظر في كثير من الأمور، منها طريقة المعالجة التاريخية للتراث التاريخي، واستعمال كل الطرق الحديثة لإحيائه من تكنولوجيات حديثة وإعلام وسينما بما يستقطب اهتمام الشباب والأجيال المقبلة وجعلهم دائمي الارتباط والافتخار بكل ما هو جزائري.
وعلى الصعيد المؤسساتي، حمّلت المتحدثة وزارة التربية إهمال إدراج المادة التاريخية الوطنية في البرنامج الدراسي، وعدم الاستقرار في رؤى طرحه ما ساهم في زرع التشكيك وعدم الاهتمام بكل ما هو تاريخ وطني، فالتلقين يبدأ من الصغر مع النشء، وإسناد العمل إلى المختصين الوطنيين في التاريخ بعيدا عن الذاتية.
في المقابل دعت إلى تثمين المادة التاريخية وإقامة مسابقات قيّمة لتشجيع المهتمين بالتاريخ على المشاركة، واستهداف كل فئات المجتمع من أطفال، تلاميذ، طلبة وحتى مختصين، مستدلة بالتجربة التي قامت بها في هذا الخصوص في سنة 2013 بقصر الثقافة، واختيار مواضيع متعدّدة بما فيها القضايا الراهنة كالماسونية، والجائزة كانت مهمة جدا تمثلت في رحلة إلى سويسرا، مشيرة إلى أنّ الفائزين كانوا من الذين لم يخرجوا أبدا من منطقتهم وتحوّلوا إلى منفتحين على العالم وتفاعلوا مع الهيئات الدولية كالأمم المتحدة والصليب الأحمر بل ودافعوا على القضية الفلسطينية، وهو أمر يبعث على الفخر والاعتزاز، داعية إلى استغلال هذه الوسائل لأنها مهمة جدا في ترسيخ الذاكرة الوطنية.